العاصي الملوث

نهر العاصي بين النقاوة والتلوث

JANSEZ

9/17/20251 min read

نهر العاصي وبحيرة قطينة: أزمة الجفاف ثم التلوث المائي في سوريا

تواجه حمص أزمة بيئية متصاعدة في مواردها المائية، حيث أصبح نهر العاصي وريف حمص الجنوبي عرضة لتلوث صناعي مستمر، ما انعكس بشكل مباشر على البيئة، الزراعة، الثروة السمكية، وصحة السكان. يُعزى تلوث النهر إلى عدة مصادر صناعية، أبرزها معمل السكر في تل سلحب، الذي يصرف مخلفاته في النهر مسبّبًا نفوق الأسماك وتدهور الأراضي الزراعية المحيطة، إلى جانب انتشار روائح كريهة لمسافات واسعة. كما تضيف محطة محردة والمنشآت الصناعية المجاورة تلوثًا إضافيًا نتيجة الصرف الصناعي غير المعالج، مما يزيد من تركيز المعادن الثقيلة والملوثات العضوية في المياه، ويهدد صحة السكان ويؤثر على الثروة السمكية والزراعة. لوحظ أيضًا تسمم بعض الحيوانات في منطقة الدار الكبيرة، في حين يؤدي انتشار مياه الصرف الصحي إلى تكاثر البعوض بشكل كثيف في الصيف، ما يزيد من المخاطر الصحية على الأهالي.كل هذه المخاطر زادت بعد الجفاف الاخير الحالي, حيث ان شح المياه تزيد بشكل اتوماتيكي من نسبه السموم.

بعيدًا عن نهر العاصي، تواجه بحيرة قطينة في ريف حمص الجنوبي تلوثًا حادًا من الشركة العامة للأسمدة ومعاملها الثلاثة: السماد الفوسفاتي، الأمونيا يوريا، والسماد الآزوتي. تصب هذه المعامل مخلفاتها في البحيرة، بما في ذلك الغازات والمعادن الثقيلة مثل الفلور، الرصاص، الزئبق، وشوارد الكبريتات، ما أدى إلى تدهور التربة، تراجع الإنتاج الزراعي، وانخفاض الثروة السمكية. المياه المستخدمة في السقاية في مناطق غربي حمص قد تكون ملوثة كيميائيًا بشكل كبير، ما يزيد من خطر الإصابة بأمراض خطيرة، بما في ذلك السرطان. يعاني بعض السكان من أمراض مزمنة تشمل الجهاز التنفسي، السرطان، التشوهات الخلقية، العقم، وفقدان السمع.

على الرغم من بعض الحلول المؤقتة، لم تُنفذ أي إجراءات جذرية لمعالجة التلوث في البحيرة أو النهر، ولم تُجر أي دراسات حديثة لرصد مستوى الملوثات. احتجاجات السكان لم تُثمر عن حلول حقيقية، فيما تُتهم الجهات المسؤولة بالتقاعس عن حماية البيئة والصحة العامة. كما أدى غياب الرقابة إلى اعتداء بعض المواطنين على حرم النهر من كلا الضفتين، عبر البناء غير القانوني في أراضي الشعب، وافتتاح مطاعم ومنتجعات غير مؤهلة بمرافق صحية، ما دفع بعض الزوار إلى رمي مخلفاتهم البلاستيكية مباشرة في النهر، مما زاد من التدهور البيئي.

تمثل حالة نهر العاصي وبحيرة قطينة نموذجًا صارخًا لتأثير التلوث الصناعي والإهمال الإداري على الموارد المائية. يرى الخبراء أن معالجة الأزمة تتطلب إنشاء محطات معالجة فعالة لكل الصرف الصناعي قبل تصريفه، إجراء دراسات ميدانية دقيقة لرصد تأثير الملوثات على الصحة العامة والزراعة والثروة السمكية، تطبيق رقابة بيئية صارمة على المعامل والمنشآت الصناعية، وإعادة تأهيل المعامل بطريقة مستدامة تقلل الانبعاثات وتحمي العمال المحليين. إن معالجة هذه الأزمات المائية تتطلب سياسات بيئية متكاملة، إشرافًا علميًا، وشفافية في إدارة الموارد لضمان استدامة الأنهار والبحيرات وحماية صحة الإنسان والبيئة.