الدب السوري… الظل الذي غاب عن جبالنا

حكاية الدب السوري المعرض للانقراض

10/3/20251 min read

في جبالنا الممتدة على تماس الصخر والغابة، كان ثمة كائن مهيب يسير ببطء، كأنه يسحب وراءه ذاكرة كاملة من البراري. ذلك هو الدب السوري، أصغر أفراد العائلة البنية، وأحد الشهود القدماء على العلاقة بين الإنسان والطبيعة في هذه المنطقة من العالم. شوهد الدب في لبنان في السنة الفائته , كان يجري مع ديسم صغير على ثلوج الجبال.

لونه ذهبي مائل إلى الرمل، أفتح من سائر أبناء جنسه، كأنه قطعة من أرض الشرق نفسها وقد دبت فيها الحياة. حجمه لا يرعب، لكنه يثير التوقير: متر ونصف من القوة الهادئة، وزن لا يتجاوز المئتين من الكيلوغرامات، وصدر تعلوه بقعة بيضاء كعلامة ولادة فريدة.

كان الدب السوري سيداً للغابة والمرتفعات، يتجول وحيداً يبحث عن الجذور والثمار، ويقلب الحجارة بحثاً عن ديدان أو حشرات، مكتفياً بالقليل، لا يفترس إلا نادراً، كأنه يعيش زاهداً في مملكة الطبيعة. حتى أنه دخل أساطير أهل القرى، رمزاً للقوة الساكنة والبرية الحاضنة.

لكن البرية تغيّرت. منذ عقود طويلة، انحسرت الغابات، زحفت المدن، وارتفعت بنادق الصيد. شيئاً فشيئاً اختفى هذا الكائن من أعين الناس، حتى صار مجرد خبر في الكتب القديمة. هل ما زال هناك دب سوري يتوارى في جبالنا؟ لا أحد يملك يقيناً. المشاهدات نادرة، والهمسات أكثر من الحقائق.

وربما لم يعد الدب السوري موجوداً بيننا فعلاً. لكنه بقي حاضراً في المخيلة، كشاهد على ما يمكن أن تخسره الشعوب حين تهمل براريها. فغياب هذا الدب ليس مجرد غياب حيوان؛ إنه فقدان لصوت الطبيعة حين تصمت، ولظلها حين ينقطع.

الدب السوري، في النهاية، لم يكن إلا مرآة لنا: صغيراً بحجمه، عظيماً برمزيته، صامتاً كحكمة جبل قديم. وحين نفتقده، كأننا نفتقد جزءاً من أنفسنا، جزءاً من الشرق الذي وُلدنا فيه.