دمّ الأوروبيين الملوّث

دمّ الأوروبيين الملوّث... والإنسان الذي نسي نقاءه

10/10/20251 min read

في الأيام الأخيرة، نشرت وسائل الإعلام الأوروبية خبرًا صادمًا: فحوص دمٍ لعددٍ من الوزراء والمسؤولين أظهرت أن عروقهم تحمل آثار "المواد الكيميائية الدائمة" — تلك التي لا تزول من الطبيعة ولا من الجسد.

تخيّلوا! حتى أولئك الذين يشرّعون القوانين لحماية البيئة اكتشفوا أن التلوث قد تسلّل إليهم، خفيةً، مثل غبارٍ لا يُرى.

هذه المواد، المعروفة اختصارًا بـ PFAS، تسكن في كل ما نظنّه بريئًا: أواني الطهي اللامعة، ومعاطف المطر المقاومة للماء، والطلاءات التي تمنع الصدأ. هي "الابنة المدلّلة" للتقدم الصناعي الذي لم يتعلّم بعد كيف يكون رحيمًا.

لقد غزت هذه المركّبات الطبيعة، فصارت الأنهار تحفظها في أعماقها، والأسماك تنقلها إلى موائدنا، والهواء يذرّها في أجسادنا من دون إذنٍ أو وعي.

لكنّ القصة أعمق من حادثة كيميائية.

إنها قصة الإنسان حين يتوهّم أن الانتصار على الطبيعة دليل قوّته، بينما الحقيقة أنه يهزم نفسه في كل مرة يلوّث فيها النهر أو يقطع الشجرة أو يسكب نفاياته في صدر الأرض.

لقد أصبح جسد الإنسان مرآةً لما فعل ببيئته. وما اكتشفه الوزراء الأوروبيون ليس نتيجة تحاليل دمٍ فقط، بل تحليل حضارةٍ كاملة فقدت توازنها مع الكوكب.

نحن في المجتمع السوري الأخضر نقرأ هذا الخبر لا كفضيحةٍ علمية، بل كدعوةٍ إلى التأمل.

إن التلوث لا يعرف حدود الدول، ولا جوازات السفر. كل نفسٍ نتنفسه في دمشق أو باريس، في الغوطة أو ستوكهولم، هو جزء من هواءٍ واحدٍ يتقاسمه الجميع.

حين تذوب الثلوج في الشمال، أو تحترق الغابات في الجنوب، فإن الأرض كلها ترتجف ككائنٍ واحدٍ يئنّ من ألمٍ مشترك.

قد يبدو الطريق إلى الإصلاح طويلاً، لكن البداية بسيطة: وعيٌ صادق، ومسؤوليةٌ يومية صغيرة.

أن نختار منتجًا صديقًا للطبيعة، أن نعيد التدوير، أن نزرع شجرة، أن نُعلّم طفلًا كيف يحافظ على النهر الذي يشرب منه.

فالبيئة ليست موضوعًا في نشرات الأخبار؛ إنها نحن، في لحمنا ودمنا ونَفَسنا.

لقد آن الأوان أن نستعيد نقاءنا كما نستعيد ذاكرتنا.

فالعالم الأخضر ليس حلمًا رومانسياً، بل وعدٌ بالنجاة — لأننا، ببساطة، لن نعيش على كوكبٍ مريض.