رأس العين تحت وطأة السم
الخابور يئن والصيف القادم سيحسم مصير آلاف الأرواح
10/10/20251 min read


أفيقوا قبل أن يفوت الأوان. ليست مبالغة، بل وصفٌ دقيق لسيناريو يتشكّل الآن أمام أعيننا في ريف الحسكة: الخابور الذي كان ينبض بالحياة صار اليوم قنطرة للصرف الصحي، ومزارع تُروى بمياهٍ تُشبه سمّاً بطيئ المفعول. ما يحدث ليس تدهوراً بيئياً عابراً — إنه عدوان صامت على صحة الإنسان والأمن الغذائي في المنطقة.
تخيلوا: خضروات تُنقل إلى أسواقٍ يُقبض عليها الزبون دون أن يعرف أنه يأكل نفاياتٍ ملوّثة. أطفال يصابون بأمراض لم نعد نبتغي لها تبريراً. والجهات المسؤولة؟ صمتٌ مطبق، ومبرراتٌ لا تُطفئ رائحة الكارثة التي تزداد حدة مع كل يوم جفافٍ جديد. عندما يتحول نهر إلى مجرور للصرف ثم إلى مصدر لري المحاصيل، فإن هذا يعني وباءً طويل المدّة ينتظر أن يندلع.
المشكلة ليست محليةً فحسب؛ إنها امتداد لفشلٍ إداري وتخطيطٍ مائي على مستوى المنطقة. اقتراحٌ واحد قد يغيّر المعادلة: استجرار مياه الفرات من ريف سلوك إلى رأس العين — قناة طولها نحو 100 كم توفر مياهاً نظيفة للري وإحياء للينابيع والخابور. هذا الحل ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية؛ إنه يقلب مسار الاعتماد على الآبار المبتورة ويعيد للحياة ما سرقته سنوات الجفاف والإهمال.
لكن انتبهوا: الطريق إلى التنفيذ محفوف بالمطبات — سياسية، لوجستية، ومالية. وفي دائرتين زمنيتين: إن ترددت الجهات المعنية أو غابت الإرادة الحقيقية، فالمشهد التالي سيكون أسوأ بكثير. أمطارٌ قليلة أو موسم جفاف إضافي واحد قد يقلب الأزمة الصحية إلى كارثة إنسانية لا يمكن احتواؤها بسهولة. الفشل في اتخاذ قرارٍ حاسم يعادل يقيناً تعريض آلاف الأسر لخطرٍ صحي واقتصادي مستمر.
دعوة عاجلة: يجب فرض رقابة فورية على مصادر المياه المستخدمة للري، ومحاسبة من يبيع أو يروّج للخضروات المروية بمياه الصرف الصحي، وإطلاق خطة طوارئ لإيصال مياه آمنة للمزارع والسكان. ومن دون ذلك، لن نتحدث بعد اليوم عن خسارة محصول أو تلوث محلي فقط — بل عن فقدان ثقة الناس في أمنهم الغذائي وصحتهم.
لقد جربنا السكوت طويلاً. السكوت الذي سمح بتحويل مجرىٍ إلى مزبلةٍ مائية لن يكون مجرد صفحةٍ تُقفل. إننا على مفترق طرق: إما أن نعيد للخابور ماء الحياة، وإما أن نُسجّل فصلًا جديدًا من المعاناة يصعب قلب صفحاته. السؤال اليوم لكل مسؤول وصاحب قرار: هل أنتم مع إنقاذ منطقة كاملة أم مع شهادة وفاةٍ بطيئة تُكتب دون توقيع؟
القادم أسوأ إن لم تُتحرك اليد الآن. عندما تتقاطع المياه الملوثة مع سلة الغذاء، يصبح الخطر مشتركاً بين المزارع والمستهلك والطفل. لا نفرّق بين من يعيش في رأس العين أو سلوك أو دير الزور؛ سمّ الماء لا يعرف حدوداً. فلنطالب جميعاً بحلٍ جاد وممول قبل أن تصبح الكلمات تعزيةً ونقرأ عن كارثةٍ تاهت عن علاجها.